الجزء الأخير
خدعة التطور
إن كل جزئية من جزئيات هذا الكون تشير إلى خلق عظيم، وهذا عكس ما ترمي إليه المادية التي تسعى لإثبات إنكار حقيقة الخلق في الكون، والتي لا تعدو أن تكون خدعة لا تمت إلى العلم بصلة.
وعندما تثبت المادية بطلانها، فإن كافة النظريات التي تعتمد عليها تصبح لاغية ، وأولى هذه النظريات هي الداروينية، التي تتبنى نظرية التطور. هذه النظرية، التي تقول أن الحياة قد نشأت عن مادة جامدة، غير حية، من خلال عدة مصادفات، قد انهارت بعد إثبات العلم الحديث خلق الكون. يشرح عالم الفلك هوف روس هذا بقوله:
" الإلحاد والدارويبنية ، وبشكل عام جميع المذاهب المادية التي انبثقت ابتداء من القرن الثامن عشر وحتى القرن العشرين، كانت مبنية على إدعاءات غير صحيحة تفيد بأن العالم لا نهاية له. لقد وضعنا التفرد في الخلق أمام السبب أو المسبب الذي يقف وراء الكون وكل م ايحتويه بما فيه الحياة"1
الله هو خالق الكون، وهو الذي أتقن صنعه حتى أصغر تفصيلاته لذلك يبدو من المستحيل بالنسبة لنظرية التطور التي تقول بأن المخلوقات لم يخلقها خالق ، وإنما أتت عن طريق الصدفة، أن تثبت صحتها.
لن نندهش إذاً عندما نعلم أن هذه النظرية قد تم دحضها من قبل الاكتشافات العلمية. إن نظام الحياة نظام متقن، مدهش ومعقد. في عالم الجمادات، على سبيل المثال، يمكننا أن نكتشف مدى حساسية التوازنات التي تقوم عليها الذرات، علاوة على ما نلاحظه في عالم المتحركات من التصاميم المعقدة في التي تنتج عن تجمع الذرات إلى بعضها لتشكل في مجموعها تقنيات غاية في التعقيد، والتقنيات والبنيات الفائقة التي تعمل من خلالها البروتينات والأنزيمات والخلايا خير مثال
هذه الأنظمة الحياتية المعقدة هي التي رسمت نهاية النظرية الداروينية في نهاية القرن العشرين.
لقد تعاملنا مع هذا الموضوع بتفصيل أكبر في مواقع أخرى من دراساتنا، وسنستمر في هذا . وقد ارتأينا أنه من الهام أن نورد هنا تلخيصاً لهذا الموضوع في كتابنا هذا.
الانهيار العلمي للنظرية الداروينية
بالرغم من أن هذه النظرية تعود في جذورها إلى التاريخ الإغريقي القديم، إلا أنها شهدت أوسع انتشار لها في القرن التاسع عشر . كان أهم تطور شهدته النظرية هو صدور كتاب تشارلز داروين "أصل الأنواع" الذي صدر عام 1859. في هذا الكتاب ينكر داروين أن الأنواع المختلفة على الأرض قد خلقها الله. يقول داروين أن جميع الكائنات الحية لها جد مشترك وأنها قد تنوعت واختلفت بسبب اختلافات طارئة متدرجة أتت عليها عبر الأزمان.
وكما يقر داروين نفسه، فإن نظريته لا تقوم على أي حقيقة علمية ثابتة، بل إنها مجرد "افتراض". علاوة على ذلك، يعترف داروين في فصل مطول من كتاب بعنوان "المصاعب التي تواجهها النظرية" أن النظرية تتهاوى أمام العديد من الأسئلة الحرجة.
عقد داروين آماله على الاكتشافات العلمية التي كان يظن أنها ستزيل العقبات التي تواجهها نظريته، إلا أن ما أثبتته هذه الاكتشافات جاء عكس ما تمناه الرجل.
وتظهر هزيمة داروين أمام العلم الحديث من خلال ثلاث نقاط رئيسية:
1- لم تتمكن هذه النظرية بأي وسيلة من الوسائل أن تفسر كيف نشأت الحياة على وجه الأرض.
2- لا يوجد أي اكتشاف علمي يدل على قدرة "التقنيات التطورية" التي تفترضها النظرية على التطور في أي حال من الأحوال.
3- ما يثبته السجل الإحاثّي هو عكس الادعاءات التي تقوم عليها نظرية التطور.
سنناقش في هذا الفصل هذه النقاط الثلاث الرئيسية:
العقبة الأولى التي لم تذلل: أصل الحياة
تقول نظرية التطور أن جميع الكائنات الحية قد تطورت عن خلية وحيدة ظهرت على سطح الأرض البدائية منذ 3.8 ملايين سنة. ولكن كيف يمكن لخلية وحيدة أن ينشأ عنها الملايين من الأنظمة والأنواع الحية؟ وإذا كان هذا التطور قد حدث فعلاً فلماذا لم تظهر علائمه في السجلات الإحاثية ، هذا سؤال لم تتمكن النظرية الإجابة عليه. إلا أن السؤال الأول الذي بقي يواجه هذه النظرية، التي لم تجد جوابا عليه حتى الآن، هو كيف نشأت "الخلية الأولى".
تفسر نظرية التطور، التي لا تعترف بالخلق ولا تقبل بوجود خالق، نشوء الخلية الأولى على أنها أتت عن طريق الصدفة التي تتضمنها قوانين الطبيعة. حسب هذه النظرية تكون المادة الحية قد نشأت من مادة غير حية نتيجة للعديد من المصادفات، ومن المؤكد أن هذا الزعم لا يتوافق مع أبسط قواعد علم الأحياء.
الحياة تنشأ من الحياة
في هذا الكتاب، لم يتطرق داروين إلى أصل الحياة. فقد كان الفهم البدائي لحقيقة الحياة في عصره يعتمد على الافتراض بأن الكائنات الحية ذات بنيات بسيطة جداً. لقد لاقت نظرية النشوء التلقائي التي انتشرت في القرون الوسطى، والتي تقول أن المواد غير الحية تجمعت من تلقاء نفسها لتشكل كائن حي، رواجاً واسعاً في ذلك الزمن. من الاعتقادات التي نتجت عن هذه النتيجة هي أن الحشرات تنشأ عن بقايا الطعام، وأن الجرذان تأتي من القمح. هنا يجدر بنا أن نتعرض لتجربة مضحكة قام بها البعض، حيث تم وضع بعض القمح على قطعة وسخة من القماش، وكان المنتظر أن يخرج جرذاً بعد برهة من الزمن.
ومن المنطلق ذاته كان يعتقد أن الديدان تخرج من اللحم؛ إلا أنه لم يلبث العلم أن أثبت أن الديدان لا تخرج من اللحم بشكل تلقائي، وإنما يحملها الذباب بشكل يرقانات لا ترى بالعين المجردة.
كان هذا الاعتقاد سائداً في الزمن الذي كتب فيه داروين كتاب "أصل الأنواع" ، فقد كان يعتقد بأن البكتريا جاءت إلى الوجود من مادة غير حية وكان هذا الاعتقاد مقبول علمياً.
لم يطل الوقت حتى أعلن باستور نتائج دراساته الطويلة وأبحاثه الكثيرة التي تدحض أساس نظرية داروين. قال باستور في محاضرته التي أعلن فيها عن انتصاراته في السوربون عام 1864:
"لا يمكن أن تستفيق نظرية النشوء التلقائي من الضربة الصاعقة التي أصابتها بها هذه التجربة البسيطة." 2
قاوم المدافعون عن النظرية الداروينية اكتشافات باستور لوقت طويل. إلا أن ما جاء به باستور بالإضافة إلى ما كشف عنه التقدم العلمي من البنية المعقدة لخلية المادة الحية، أبقيا فكرة وجود الحياة على سطح الأرض عن طريق الصدفة في مأزق لم تستطع الخروج منه.
المحاولات العاجزة في القرن العشرين
إن أول من تبنى موضوع منشأ الحياة في القرن العشرين كان التطوري المشهور ألكسندر أوبارين. تقدم هذا العالم بالعديد من الآراء العلمية في الثلاثينيات من ذلك القرن، حاول من خلالها إثبات إمكانية تطور خلية الكائن الحي عن طريق الصدفة. إلا أن دراساته لم تنته إلا بالفشل، مما حدا بأوبرين تقديم الاعتراف التالي: " للأسف، بقيت مشكلة منشأ الخلية الأولى أكثر النقاط غموضاً في دراسة تطور الأنظمة الحية".3
حمل التطوريون بعد أوبرين مسؤولية حل مشكلة منشأ الحياة. وكان أكثر هذه التجارب شهرة تلك التي قام بها الكيميائي الأمريكي ستانلي ميللر عام 1953. قام هذا العالم بدمج عدد من الغازات التي يفترض أنها كانت موجودة في المناخ البدائي للأرض، وأضاف إليها مقدار من الطاقة. من خلال هذه التجربة تمكن ميللر من تركيب عدد من الحموض الأمينية (الجزيئات العضوية) التي تتواجد في تركيب البروتينات.
إلا أنه لم تمض عدة سنوات حتى ثبت بطلان هذه النظرية، التي كانت تعتبر خطوة رائدة في تقدم نظرية التطور، فالمناخ الذي استخدم في هذه التجربة كان مختلفاً جداً عن الظروف الأرضية الحقيقية.4
وبعد فترة من الصمت اعترف ميللر أن المناخ الذي استخدمه في تجربته كان غير حقيقياً.5
لقد باءت جميع محاولات التطوريين في إثبات نظريتهم في القرن العشرين بالفشل. يعترف العالم الجيولوجي بادا من معهد سكريبس في سانت ياغو بهذه الحقيقة في مقالة نشرتها مجلة "الأرض" عام 1998:
"ها نحن اليوم نغادر القرن العشرين دون أن نتمكن من حل المشكلة التي بدأنا القرن معها وهي : كيف بدأت الحياة على الأرض؟"6
البنية المعقدة للحياة
السبب الرئيسي الذي أوقع نظرية التطور في مأزق "كيف بدأت الحياة" هو أن الكائنات الحية، حتى البسيطة منها، تنطوي على بنيات في غاية التعقيد. فالخلية الواحدة من الكائن الحي أكثر تعقيداً من أي منتج تقني صنعته يد البشر. فحتى يومنا هذا لا يمكن لأي مختبر كيميائي مهما بلغت درجة تطوره أن ينجح في تركيب خلية حية من خلال تجميع عدد من المواد العضوية مع بعضها.
إن الظروف المطلوب توفرها لتركيب خلية حية هي أكثر بكثير من أن تُعرض. فإمكانية تركيب أحد البروتينات التي تعتبر حجر الأساس في الخلية بشكل عشوائي هي 1 إلى 10950 وهذا بالنسبة لبروتين مكون من 500 حمض أميني؛ وفي الرياضيات يعتبر أي احتمال أصغر من 150 مستحيلاً!
إن جزيء الـ DNA الذي يتواجد في نواة الخلية والذي يخزن المعلومات الوراثية، هو في حد ذاته بنك معلومات معجز. فلو أن المعلومات المشفرة في جزيء DNA قد أفرغت كتابة فإنها ستشغل مكتبة عملاقة مكونة من 900 مجلداً من الموسوعات كلا منها يتألف من 500 صفحة.
وهنا تنشا مشكلة أخرى مثيرة: فجزيء الـ DNA لا يمكنه أن يتضاعف إلا بمساعدة بعض البروتينات المختصة (الأنزيمات)، وهذه الأنزيمات لا يمكن أن تتشكل بدورها إلا من خلال المعلومات المشفرة في جزيء الـ DNA. وبما أن كل منهما يعتمد على الآخر ، فمن الضروري أن يتواجدا في الوقت نفسه عند عملية التضاعف.وهذا يأتي بالنظرية القائلة أن الحياة قد نشأت من تلقاء نفسها إلى طريق مسدود. وقد اعترف البروفسور ليسلي أورجيل ، وهو تطوري مشهور من جامعة سانت ياغو كاليفورنيا بهذه الحقيقة من خلال موضوع نشر في مجلة العلوم الأمريكية عام 1994:
"من المستحيل أن تكون البروتينات والحموض الآمينية، وكلاهما جزيئات معقدة، قد نشأت من تلقاء نفسها في نفس الوقت وفي نفس المكان. أضف إلى عدم إمكانية تواجد أحدهما دون الآخر . وهكذا ومن النظرة الأولى يجد أحدنا أنه من المستحيل أن تكون الحياة قد نشأت من خلال عمليات كيميائية بحتة"7
لا شك أنه إذا كان من المستحيل أن تنشأ الحياة من أسباب طبيعية، فلا بد أنها قد "خلقت" بيد خالق. هذه الحقيقة تلغي نظرية التطور ، والتي تهدف بالدرجة الرئيسية إلى إنكار الخلق، من أساسها.
الأفكار الخيالية لنظرية التطور
النقطة الثانية التي تدحض نظرية داروين هي أن كلا المفهومين اللذين وضعتهما النظرية كـ "تقنيات تطورية" ثبت أنها في الحقيقة لا تملك أي قوة تطورية.
لقد اعتمد داروين في خدعة التطور التي خرج بها على فكرة "الاصطفاء الطبيعي". وقد ضمن هذه الفكرة في كتابه: "أصل الأنواع ، عن طريق الاصطفاء الطبيعي..."
يقول قانون الاصطفاء الطبيعي أن الكائنات الحية التي تمتلك خصائص قوية فقط هي التي يمكن أن تبقى في معركة الحياة. على سبيل المثال، عندما تهاجم الحيوانات المتوحشة قطيعاً من الغزلان، فإن الغزلان الأقوى والتي يمكنها أن تركض بسرعة أكبر هي التي ستنجو وتبقى على قيد الحياة. وهكذا يتشكل قطيع جديد من الأقوياء والسريعين فقط. ولكن، ولنفترض أننا سلمنا بهذا جدلاً، فهل يمكن لهؤلاء الأقوياء من قطيع الغزلان أن يتطوروا بأي شكل من الأشكال ليصبحوا خيولاً مثلاً؟ بالطبع لا.
لذلك نقول أن هذه الفكرة لا قوة تطورية لها. داروين نفسه كان قلقاً بشأن هذه الحقيقة التي وضعها في كتابه أصل الأنواع حيث قال:
"لا يمكن لقانون الاصطفاء الطبيعي أن يحقق شيئاً م الم تحدث تغييرات فردية إيجابية" 8.
تأثير لامارك
ولكن كيف تحدث هذه "التغيرات الإيجابية"؟ حاول داروين الإجابة على هذا السؤال من خلال الفهم البدائي للعلوم في ذلك الوقت. فحسب نظرية لامارك الذي عاش قبل داروين، فإن الكائنات الحية تورث صفاتها التي اكتسبتها خلال حياتها إلى الأجيال التالية ، وهذه الصفات تتراكم من جيل إلى آخر لتشكل أنواع جديدة من الكائنات الحية. فحسب لامارك، الزرافات هي كائنات تطورت عن الظباء عندما كانت تجاهد من أجل الوصول إلى الثمار التي تحملها الأشجار العالية، فطالت رقبتها من جيل إلى آخر حتى استقرت على هذا الطول.
وباقتفاء أثره، أورد داروين مثالاً مماثلاً في كتابه فقال أن الدببة غطست في الماء أثناء بحثها عن الطعام فتحولت إلى حيتان على مر الأجيال".9
إلا أنه ما لبثت أن ظهرت قوانين الوراثة على يد العالم ماندل في القرن العشرين، مما أحبط أسطورة امتداد الصفات عبر الأجيال. وهكذا سقط الاصطفاء الطبيعي كدعامة من دعامات نظرية التطور.
الداروينية الجديدة والطفرات
ومن أجل الوصول إلى حل، قام الداروينيون بتطوير "نظرية تركيبية جديدة" أو ما يدعى بـ "الداروينية الجديدة" في نهاية الثلاثينيات من القرن العشرين. أضافت الداروينية الجديدة نظرية "الطفرات"وهي تشوهات جينية تطرأ على الكائن الحي وتحدث بفعل تأثيرات خارجية مثل التعرض إلى الإشعاعات وأخطاء في تضاعف الـ DNA، بالإضافة إلى الطفرات الطبيعية.
و النموذج الذي يقف مدافعاً اليوم عن نظرية التطور هو الداروينية الجديدة.تقول هذه النظرية الجديدة ـأن الملايين من الأحياء المتواجدة على سطح الأرض قد جاءت نتيجة لطفرات طرأت على الأعضاء المعقدة لهذه الكائنات مثل الآذان والعيون والرئات والأجنحة، أي إضطرابات وراثية. إلا أن الحقيقة العلمية تأتي في عكس الاتجاه المطلوب. فالطفرات لم تكن في يوم من الأيام إيجابية تؤدي إلى تقوية وتعزيز القدرة الحيوية الكائن الحي، وإنما إلى إنهاكها وإضعافها..
والسبب وراء هذا ببساطة هو أن جزيء DNA يحمل بنية معقدة جداً وأي تغيير عشوائي فيها سيؤدي ضرراً كبيراً. يشرح عالم الجينات رانغاناتان الموضوع كالتالي:
"أولاً، الطفرات الجينية نادرة الحدوث. ثانياً الطفرات في معظمها ضارة ومهلكة في بعض الأحيان لأنها تغيرات عشوائية ، وأي تغير غير منظم، علاوة على المنظم ، في أي كائن حي راقي تنحدر به نحو الأسوء ولا ترتقي به إلى الأفضل. فالهزة الأرضية التي قد تصيب أحد الأبنية على سبيل المثال، ستتسبب في تغيير في الإطار العام لها، وهذا بالطبع ما لن يكون تحسيناً في البناء."10
لهذا ليس غريباً غياب أي دليل على وجود طفرة كانت السبب في تغيير الشفرة الوراثية نحو الأفضل. على العكس فجميع الطفرات كانت ناكسة . أصبح واضحاً إذاً أن الطفرة التي اعتبرت من تقنيات التطور لا تجلب على الكائن الحي إلا المزيد من الضعف وتجعله عاجزاً. ( من التأثرات الشائعة للطفرة في العصر الحديث مرض السرطان). وطبيعي أن لا تكون تقنية مدمرة من تقنيات "التطور"، كما لا يمكن لـ "الاصطفاء الطبيعي " أن ينجز شيئاً بنفسه. وهذا يعني أنه لا يوجد تقنيات تطور في الطبيعة. وبانتفاء وجود هذه التقنيات تنتفي عملية التطور.
السجلات الإحاثية: لا دليل على وجود أشكال مرحلية
في الحقيقة لا يوجد أي دليل في سجل المستحاثات على أكثر الادعاءات وضوحاً في سيناريو نظرية التطور.
حسب نظرية التطور، فإن كل كائن حي قد نشأ عن كائن قبله، أي أن الكائنات السابقة قد تحولت إلى كائنات أخرى، وكل الأنواع نشأت بهذه الطريقة. وحسب النظرية، فإن هذه التحولات استغرقت ملايين السنين.
وإذا كان هذا الافتراض حقيقي ، فمن الضروري وجود عدد كبير من الأنواع المرحلية التي عاشت في فترة التحول الطويلة. على سبيل المثال لابد من وجود كائن نصفه سمكة ونصفه سلحفاة يحمل صفات السلحفاة بالإضافة إلى صفات الأسماك التي يحملها أصلاً. أو كائنات نصفها طير والنصف الآخر زواحف، أي تحمل بعض صفات الطيور بالإضافة إلى صفات الزواحف التي تحملها أصلاً. وبما أنها في الطور المرحلي، فهي كائنات عاجزة غير مؤهلة، ومعاقة؛ ويطلق التطوريون على هذه الأشكال الخيالية اسم "الأشكال التحولية"
لو كان هناك حيوانات كتلك حقاً، فيجب أن يكون هناك الملايين بل البلايين منها وبشكل متنوع. والأهم من ذلك يجب أن تحمل سجلات المستحاثات بقايا هذه الأحياء الغريبة. يقول داروين في كتابه "أصل الأنواع":
"إذا كانت نظريتي صحيحة، فلابد من وجود عدداً كبيراً من الأنواع المختلفة التي تصنف ضمن فئة واحدة، وهذا الوجود ستثبته السجلات الإحاثية". 11
آمال داروين تتبدد
بالرغم من جميع محاولات التطوريين الجادة في إيجاد مستحاثات تدعم تصوراتهم في وجود مخلوقات تحولية في منتصف القرن العشرين في جميع أنحاء العالم، إلا أنهم لم يجدوا أ ياً منها . لقد أثبتت جميع المستحاثات التي اكتشفت أثناء الحفريات الجيولوجية عكس ما قالت به النظرية الداروينية تماماً: لقد نشأت الحياة فجأة وبتشكل تام لا وجود لأي شكل تحولي.
أقر أحد علماء التطور، العالم الإنجليزي ديريك آغر Derek Ager بهذه الحقيقة عندما قال:
النقطة هي أننا عندما قمنا بتقصي السجل الإحاثي بالتفصيل سواء على مستوى الأنواع أو الترتيب الزمني المرة تلو المرة، لم نجد تطور تدريجي أو مرحلة انتقالية، وإنما ظهور مفاجئ لمجموعة من الكائنات على حساب أخرى.12
هذا يعني أن السجل الإحاثي يبرهن أن جميع الكائنات الحية قد ظهرت على الأرض بشكل مفاجئ بأشكالها التامة، ودون أي طور تحولي، وهذا عكس الإدعاء الدارويني تماماً وإثبات قوي على حقيقة الخلق. فالتفسير الوحيد لنشوء الكائنات الحية بشكل مفاجئ على سطح الأرض بشكلها الكامل ودون تطور عن أجداد سابقين، إنما يعني أن هذه الأنواع قد خلقت خلقاً. ويقر هذه الحقيقة عالم الأحياء التطوري دوغلائس فيوتويما:
"الخلق والتطور، وبينهما التفسيرات المحتملة عن أصل الكائنات الحية. فإما أن تكون الأنواع قد ظهرت على سطح الأرض بتكوينها الكامل، أو لا تكون. إذا لم يكن الأمر كذلك فهذا يعني أنها قد تطورت عن أنواع وجدت مسبقاً من خلال بعض عمليات التحول. أما إذا كانت قد ظهرت بشكلها الكامل ، فلابد أنها قد خلقت خلقاً13.
والمستحاثات تثبت أن الكائنات الحية قد نشأت بشكلها المكتمل على سطح الأرض، وهذا يعني أن "أصل الأنواع" ليس كما يدعي داروين، إنه خلق وليس تطور.
قصة تطور الإنسان
الموضوع الذي يحاول مؤيدو نظرية التطور الكلام به دائماً هو موضوع أصل الإنسان. يدعي الداروينيون أن الإنسان الحالي قد تطور عن نوع من أشباه القردة. وخلال هذه العملية التطورية المزعومة، التي يفترض أنها استغرقت من 4-5 ملايين عاماً، ظهرت "أشكال تحولية" تفصل بين الإنسان الحديث وأجداده، كما يزعمون. وحسب هذه الصورة الخيالية البحتة، صنفت هذه الأشكال في أربعة فئات:
1- أوسترالوبيثيكوس
2- هومو هابيليس.
3- هومو أريكتوس
4- هومو سابينس
يطلق التطوريون على الجد الأول للإنسان " أوسترالوبيثيكوس" ويعني "قرد جنوب إفريقيا".والحقيقة هو أن هذا المخلوق ليس إلا نوعا من القرود القديمة المنقرضة. أثبتت الأبحاث الواسعة التي أجراها عالما التشريح ، اللورد سولي زوكرمان والبروفسور تشارلز أوكسنارد، من إنكلترا والولايات المتحدة، على مستحاثات أوسترالوبيثيكوس أن هذه المستحاثات تعود إلى أنواع عادية من القردة التي انقرضت والتي لا تحمل أي شبه مع الإنسان.14
والفئة الثانية التي يصنفها التطوريون هي "هومو" وتعني "الإنسان" وحسب نظرية التطور، فإن سلالة الهومو أكثر تطوراً من سلالة أوسترالوبيثيكوس. وهنا اخترع التطوريون خطة مثيرة بتركيبهم لهدة مستحاثات من هذه المخلوقات ووضعها بترتيب معين. إلا أن تلك الخطة خيالية لأنه لم يثبت وجود أي علاقة تطورية بين هذه الفئات المختلفة. يقول أحد أهم المعلقين على نظرية التطور إيرنست ماير في كتابه "من المناظرات الطويلة: " تعتبر الأحجية التاريخية التي تتكلم عن أصل الحياة أو أصل الهومو سابينس أحجية صعبة حتى أنها تتعارض مع الاكتشافات الأخيرة."15
ومن خلال السلسلة التي وضعها التطوريون فإن الفئات الأربع: أوسترالوبيثيكوس، هومو هابيليس، هومو أريكتوس، هومو سابينيس ناشئة عن بعضها البعض. إلا أن الاكتشافات الأخيرة التي ظهرت على يد علماء المستحاثات البشرية قد أثبتت أن هذه الفئات الأربعأوسترالوبيثيكوس ، هومو هابيليس، هومو أريكتوس، هومو سابينيس قد عاشت في بقاع مختلفة من العالم وفي زمن واحد.16
علاوة على هذا، فإن الأجزاء البشرية التي صنفت في فئة "هومو أريكتوس" لم تنقرض حتى وقت قريب جداً، أما النياندرتاليين والهوموسابينيس فقد تعايشوا في زمن واحد وفي منطقة واحدة.17
هذا الاكتشاف يدحض الادعاء بأن أحد منهم يمكن أن يكون جداً للآخر. يفسر عالم الأحياء القديمة ستيفن جاي غولد Stephen Jay Gould من جامعة هارفارد النهاية المسدودة التي وصلت إليها نظرية التطور، بالرغم من أنه عالم تطوري:
ماذا سيكون مصير فكرتنا إذا كان هناك تزامن معيشي لثلاث من فئات الهومو (الإفريقي والأوسترالوبيثيكوس القوي والهومو هابيليس) وثبت أن أحداً منهم لم ينشأ عن الآخر؟ أضف إلى أن أحدا من هؤلاء لم يثبت عليه أي تحول تطوري خلال فترة حياته على سطح الأرض.18
نقول باختصار، أن سيناريو التطور البشري الذي ينص على وجود مخلوق نصفه إنسان ونصفه قرد والذي قام على استخدام العديد من الصور الخيالية التي ظهرت في الكتب الدعائية لنظرية التطور، ليست إلا قصة لا أساس لها من الصحة العلمية.
وبالرغم من كون العالم سولي زوكرمان، الأكثر شهرة في المملكة المتحدة، عالماً تطورياً، إلا أنه اعترف في نهاية أبحاثه، التي استغرقت عدة سنوات والتي تناولت بشكل خاص مستحاثات أوسترالوبيثيكوس لمدة 15 عاماً، أنه لا يوجد شجرة بشرية تتفرع عن مخلوقات شبيهة بالقرود.
صنف زوكرمان العلوم ضمن طيف أسماه "طيف العلوم" يتدرج من العلوم التي يعتبرها علمية لينتهي في العلوم التي يعتبرها غير علمية. وحسب طيف زوكرمان، فإن أكثر العلوم "علمية" – أي التي تقوم على بيانات ومعلومات ملموسة- هي الفيزياء والكيمياء، تليهما العلوم البيولوجية وفي الدرجة الأخيرة العلوم الاجتماعية. وفي نهاية الطيف تأتي العلوم "غير العلمية" والتي يحتل مكانها "الإدراك الحسي المفرط" – وهي مفاهيم الحاسة السادسة والتيليباثي (التخاطر عن بعد) – ويليها "التطور البشري". ويشرح لنا زوكر عمله هذا:
نحن هنا إذاً نتحول من الحقيقة المسجلة موضوعياً إلى تلك المجالات التي يشغلها علم الأحياء الافتراضي، مثل الإدراك الحسي المفرط، أو التفسير التاريخي للمستحاثات الإنسانية، والتي يبدو فيها كل شيء جائز بالنسبة للتطوري، حيث يكون التطوري مستعداً لتصديق العديد من الأمور المتناقضة في وقت واحد.19
لقد انحدرت قصة التطور البشري لتصل إلى مستوى التفسيرات المتحيزة لبعض المستحاثات التي استخرجها بعض الأشخاص الذين تعلقوا بهذه النظرية بشكل أعمى.
تقنية العين والأذن
من المواضيع الأخرى التي عجز التطوريون عن تفسيرها هي الإدراك المتميز الذي تتمتع به كل من الأذن والعين.
وقبل أن ننتقل إلى موضوع العين دعونا نجيب عن سؤال: "كيف نرى؟"
تخرج الأشعة الضوئية من المادة المرئية لتستقر على شبكية العين. هنا تتحول الأشعة الضوئية إلى إشارات كهربائية بواسطة الخلايا، وتصل إلى نقطة متناهية في الصغر في الدماغ تدعى مركز الرؤيا. وفي مركز الرؤيا هذا تترجم الإشارات الكهربائية إلى صورة بعد العديد من العمليات المعقدة. والآن دعونا نتفكر بهذه التقنية.
يقع الدماغ في تجويف يعزله تماما عن الوسط الخارجي، مما يعني أن الدماغ يغرق في ظلام دامس، وأن الضوء لا يصل إلى الدماغ، وبالتالي إلى مركز الرؤيا، حتى أنه يمكن أن يكون أكثر الأماكن التي عرفتها ظلمة، ومع ذلك فأنت ترى من خلاله العالم المضيء المليء بالألوان والأنوار.
والصورة التي تراها العين دقيقة وشديدة الوضوح إلى درجة لم تصل إليها أعظم تقنيات القرن العشرين. انظر إلى الكتاب الذي تحمله، إلى يدك التي تحمل الكتاب بها، ثم أدر رأسك وانظر من حولك هل يمكنك أن ترى أي صورة بنفس الوضوح الذي ترى فيها الأشياء من حولك؟ حتى أحدث شاشات التلفاز التي صنعت بأحدث التقنيات المتطورة لا يمكنها أن تعرض لك صوراً بنفس الدقة والوضوح. إنها صور ملونة، ثلاثية الأبعاد، شديدة التميز والوضوح. منذ مئة سنة وحتى الآن والمهندسون يعملون على محاكاة هذه الدقة والوضوح. بنيت المصانع العظيمة وأنشأت المؤسسات الضخمة وأجريت مئات الأبحاث للوصول إلى تلك الدقة والوضوح. مرة أخرى أعد النظر إلى الكتاب بين يديك وإلى الصور التي تعرضها شاشة التلفاز وتبين الفرق الشاسع. علاوة على أن شاشة التلفاز تعرض لك صورة ببعدين فقط، بينما تريك عيناك الأشياء بأبعادها الثلاث فتدرك عمق هذه الأشياء.
منذ عدة سنوات قام عشرات الآلاف من المهندسين بمحاولات لتصنيع تلفاز يعرض صوراً ثلاثية الأبعاد في محاكاة لتقنية العين. نجح هؤلاء في صنع نظام تلفزيوني ثلاثي الأبعاد، إلا أنه يتوجب على من أراد مشاهدته أن يضع نظارة خاصة، علاوة على أنه يعرض لصورة ثلاثية الأبعاد اصطناعية، غير حقيقية. الخلفية في هذه التقنية شديدة اللمعان والأرضية الأمامية تشبه قطعة الورق. هذه التجربة أثبتت استحالة إمكانية إنتاج رؤيا تحاكي في وضوحها ودقتها رؤية العين البشرية. إن الصورة التي تنتجها الكاميرا أو التلفزيون لا يمكن أن تصل إلى حد الكمال.
ورغم ذلك يدعي التطوريون أن هذه التقنية العالية التي تنتج هذه الصورة الواضحة والدقيقة قد جاءت عن طريق الصدفة. ولكن إذا قال لك أحدهم أن التلفاز الذي في غرفتك قد جاء عن طريق الصدفة، أي أن كل ذراته قد تجمعت من تلقاء نفسها مصادفة لتشكل هذا الجهاز بتقنيته المتطورة، فهل تصدقه؟ كيف يمكن أن تفعل الذرات ما لم يتمكن الآلاف من البشر أن يقوموا به؟
فإذا استحال وجود جهاز يظهر صورة بنوعية بدائية عن طريق الصدفة ، فمن البديهي أن يستحيل وجود العين عن طريق الصدفة.
الوضع نفسه ينطبق على الأذن. تلتقط الأذن الأصوات عن طريق الصيوان وتوجهه إلى الأذن الوسطى تنقل الأذن الوسطى الذبذبات الصوتية بدورها عن طريق تكثيفها إلى الأذن الداخلية ؛ يأتي بعد ذلك دور الأذن الداخلية التي تحول هذه الذبذبات الصوتية إلى إشارات كهربائية. وكما هو الحال مع آلية الرؤيا، تنتهي فعالية السمع إلى مركز السمع في الدماغ.
وتنطبق آلية الرؤيا على آلية السمع، فمركز السمع في الدماغ منفصل تماماً عن الوسط الخارجي، فلا يُسمح لأي صوت بالدخول إليه. فمهما يكن الوسط الخارجي صاخباً فإن وسط الدماغ يغط في صمت عميق. في مركز السمع المعزول عن الوسط الخارجي في الدماغ أنت تستمع إلى السمفونيات الموسيقية والضجيج الصاخب، ومع ذلك عندما يقاس مستوى الصوت في دماغك بأداة دقيقة في الوقت الذي تصلك فيه الأصوات فإن النتيجة تكون صمت مطبق.
وكما هو الحال في مجال تصنيع ما يحاكي آلية الرؤيا، جرت عدة محاولات لتقليد الأصوات الطبيعية كانت نتيجتها آلات التسجيل عالية التقنية وفائقة الدقة. وبالرغم من كافة المحاولات الجاهدة للوصول إلى صوت مماثل للأصوات الطبيعية التي تدركها الأذن في نقائها وتميزها إلا أنه لم يكتب النجاح لأي من هذه المحاولات حتى الآن . تفكر في أعلى تقنية أنتجتها أضخم شركات الموسيقى في العالم HI-FI، بالرغم من التقنية العالية التي تعتمد عليها هذه الشركة في تسجيل الأصوات إلا أنها لم تتمكن من تدارك الفقد الحاصل في الأصوات المسجلة. كما أنك عندما تدير جهاز HI-FI تسمع صوت هسيس قبل أن تبدأ الموسيقى. قد تكون الموسيقى الناتجة عن المنتجات الإنسانية صافية ودقيقة، إلا أن الأذن الإنسانية تدرك الأصوات بنقاء لا يصاحبه أي هسيس، إنها تدرك الأصوات كما هي تماماً. وهذا ماكان عليه السمع منذ بدء الخليقة.
إذاً حتى وقتنا هذا لم يشهد العالم أي تقنية تحاكي تقنية العين والأذن البشرية.
إلا أن هناك حقيقة أكبر تكمن وراء هذه التقنية الفائقة.
من هو وراء إدراك السمع والبصر داخل الدماغ؟
من الذي يرى هذا العالم المشرق من خلال الدماغ، ويستمع إلى السيمفونيات التي تغردها الطيور، ويشم الزهور؟
تصل الإثارات الحسية إلى الدماغ من الوسط الخارجي عن طريق الإشارات الكهربائية الكيميائية. يمكنك أن تجد في كتب الفيزيولوجيا وعلوم الأحياء والكيمياء الحيوية تفاصيل عن الكيفية التي تتشكل فيها هذه الصورة في الدماغ. إلا أنك لن تقابل أهم حقيقة في هذا الموضوع: من هو المدرِك الذي يدرك الإشارات الكيميائية التي تنشأ عن الصور والأصوات والروائح في الدماغ؟ هناك وعي في الدماغ يدرك كل هذه المدركات. إلى من ينتمي هذا الإدراك أو الوعي؟ لا شك أنه لا ينتمي إلى الأعصاب أو إلى قطعة اللحم أو الطبقات الدهنية التي يتكون منها الدماغ. ولهذا لم يتمكن الداروينيون من الإجابة على هذا التساؤل.
إنها الروح التي خلقها الله. فلا العين ولا الأذن ولا أنف ولا الجلد يمكن أن يكون ذو أي فائدة في إدراك المدركات ولا حتى الدماغ ولا مراكز الحواس الخمس، في غياب الروح.
إن كل إنسان يقرأ هذه الحقيقة العلمية الواضحة سيعرف الله العظيم ويخاف منه ويطلب منه المأوى والملاذ. الله العظيم القدير هو الذي اختصر العالم كله في نقطة صغيرة مظلمة في الدماغ لا تتجاوز بضعة سنتمترات مكعبة.
العقيدة المادية
إن ما عرضناه حتى الآن يبين لنا أن الأسس التي تقوم عليها نظرية التطور لا تمت إلى العلم بصلة. فإدعاءات النظرية بشأن أصل الحياة تتناقض مع الحقائق العلمية، والتقنيات التطورية التي تقول بها ليس لها قوة تطورية، كما أن المستحاثات التي استغرقت دراستها سنين طويلة لم تثبت أي وجود للأشكال التحولية. ومن هنا بدا واضحاً أنه من الواجب طرح هذه النظرية بعيداً باعتبارها فكرة غير علمية. وهذا ما حدث للعديد من الأفكار التي لم تثبت صحتها العلمية مثل الفكرة التي تقول أن الأرض هي مركز الكون والتي أخرجت من المفكرة العلمية نهائياً.
إلا أن هذا لم يحدث لنظرية التطور، فبالرغم من كل الدلائل التي تدحضها، لم تخرج من المفكرة العلمية، حتى أن البعض يحاولون أن يلبسون النقد الذي تتعرض له هذه النظرية لباس "الهجوم على العلم". والسؤال هنا: لماذا؟
السبب هو أن نظرية التطور مذهب لا يمكن الاستغناء عنه من قبل بعض الدوائر. هذه الدوائر تلتزم بالنظريات المادية بشكل أعمى وتتعلق بالداروينية لأنها التفسير المادي الوحيد الذي يمكن اعتماده لتكريس نظرية عمل الطبيعة.وما يثير الدهشة أنهم يقرون هذه الحقيقة من وقت لآخر. يعترف عالم الوراثة، والتطوري، المشهور ريتشارد ليونتن من جامعة هارفارد أنه "مادي" أولاً ومن ثم "عالم" فيقول "ليست المعاهد ولا التجارب العلمية هي التي جعلتنا نقبل التفسير العلمي للظواهر الكونية، بل على العكس إننا مجبرون من خلال التزامنا القديم بالأسباب المادية على خلق مجموعة من المفاهيم التي تقدم تفسيرات مادية، مهما بلغ تناقضها مع البديهيات، علاوة على أن المادية أمر ثابت غير قابل للنقاش، لذلك نحن لا نسمح بتواجد أي بصمة إلهية.20
هناك اعتراف واضح أن الداروينية هي عبارة عن مذهب بقي على قيد الحياة فقط من أجل الالتزام بالفلسفة المادية. هذه الفلسفة ترفض أي وجود لخالق المادة. لذلك هي تفترض أن الحياة قد خلقت من مادة جامدة غير واعية. هذه الفلسفة تصر على أن الملايين من الكائنات مثل الطيور والزواحف والحيتان والزرافات والأسماك والأشجار والزهور والبشر قد خلقت من جراء بعض التفاعلات بين عناصر المادة مثل تفاعل المطر مع البرق... إلى آخر ما هنالك. هذا المفهوم يتناقض مع العقل والعلم، ومع هذا يستمر الداروينيون في الدفاع عنه فقط لمنع "تواجد أي بصمة إلهية".
إن أي إنسان ينظر إلى أصل الحياة، دون اتخاذ موقف المتحيز إلى النظرية المادية، سيتبين هذه الحقيقة:إن جميع الخلائق هي من صنع خالق هو الله الحكيم القدير. هذا الخالق هو الله الذي خلق الكون من لاشيء ، أتقن صنعه ونظامه وخلق الخلائق كل لما قدر له.
نظرية التطور أكبر خدعة سحرت العالم
علينا أن نوضح أن كل من يستخدم عقله بعيداً عن أي تحيز لأي مذهب من المذاهب، ويحكّم المنطق سيدرك تماماً أن الإيمان بنظرية التطور ، التي لم تأت إلى المجتمعات إلا بخرافة وهمية لا أساس لها من الصحة، هو أمر مستحيل تماماً.
هؤلاء التطوريون يزعمون، كما أسلفنا، أن بعض الذرات والجزيئات قد ألقيت في فجوة كبيرة فأنتجت التفكير والعقل والعلماء وطلاب الجامعة وأينشتاين وغاليلو والفنانون مثل بافاروتي وفرانك سيناترا، بالإضافة إلى الظباء وأشجار الليمون. أضف إلى ذلك أن هؤلاء العلماء الذين يؤمنون بهذه النظرية هم مثقفون وعلى قدر كبير من العلم. لهذا نقول عن هذه النظرية أنها "أكبر خدعة سحرت العالم". إذ لم يشهد التاريخ من قبل أي معتقد ذهب بعقول البشر إلى هذا الحد، ومنعهم من التفكير السوي والعقلاني، وأخفى عنهم الحقائق الواضحة فجعل منهم عمياناً. هذه الفلسفة أو المعتقد المادي أسوء من العقيدة التي كان يعتنقها المصريين القدامى في عبادته لإله الشمس رع، وأسوء من الطوطمية المنتشرة في إفريقيا، وأهل سبأ الذين عبدوا الشمس، وقوم إبراهيم الذين عبدوا الأصنام، وقوم موسى الذين عبدوا العجل الذهبي.
لقد عرض لنا القرآن الكريم حالة الضياع العقلي هذه، فقال لنا أن بعضاً من البشر تُغلق عقولهم وتعمى أبصارهم عن الحقيقة . يقول تعالى في كتابه العزيز:
"إن الذين كفروا سواء عليهم أءنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون* ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة ولهم عذاب عظيم*" (البقرة 6-7).
"ولقد ذرأنا لجهنم كثيراً من الجن والإنس لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون*" (الأعراف 179).
"ولو فتحنا عليهم باباً من السماء فظلوا فيه يعرجون* لقالوا إنما سكرت أبصارنا بل نحن قوم مسحورون*" (الحجر 14-15).
لا يمكن للكلمات أن تعبر عن دهشة المتبصرين من استعباد هذه الخدعة الساحرة للكثير من المجتمعات البشرية، فجعلتها يبتعدون عن الحقيقة واستمرت في هيمنتها لمدة 150 عاماً. معروف أنه قد يوجد واحد أو قلة من الناس ممن يصدقون بالسيناريوهات المستحيلة والإدعاءات الغبية والتلفيقات الكاذبة. مع هذا يبقى "السحر" فقط هو السبيل الوحيد الذي يمكن أن يفسر الناس الذين يعتقدون بهذه النظرية في أنحاء العالم كيف تجتمع الذرات التي لا حياة فيها فجأة وتقرر أن تشكل كوناً متقناً لا خلل فيه ولا نقص، كون منظم مرتب فيه من الوعي والفكر والإدراك ما فيه، ويتضمن كوكب الأرض الذي يحتوي أسباب الحياة المتكاملة والمدروسة بدقة، وعلى المخلوقات المتعايشة في أكبر نظام معقد.
يخبرنا القرآن الكريم من خلال قصة موسى مع فرعون أن الأشخاص الذين يدعمون الفكر الإلحادي يؤثرون في الآخرين عن طريق السحر. عندما أخبر موسى عليه السلام فرعون بالدين الحقيقي، طلب منه فرعون أن يلاقي السحرة. وعندما قابلهم موسى طلب منهم أن يعرضوا سحرهم أولاً وتخبرنا الآية التالية عن ما حصل بعد عرضهم لسحرهم:
"قال ألقوا فلما ألقوا سحروا أعين الناس واسترهبوهم وجاؤوا بسحر عظيم*" (الأعراف 116).
وكما رأينا، فإن سحرة فرعون كانوا قادرين على خداع الناس بعيداً عن موسى عليه السلام والمؤمنين به. إلا أن الآية التي جاء بها موسى أبطلت السحر " فإذا هي تلقف ما يأفكون":
"وأوحينا إلى موسى أن ألق عصاك فإذا هي تلقف ما يأفكون* فوقع الحق وبطل ما كانوا يعملون*" (الأعراف 117-119).
فكما تخبرنا الآية الكريمة، عندما أدرك الآخرون أن ما قام به هؤلاء الأشخاص الذين سحروا أعين الناس في البداية، لا يعدو أن يكون وهماً، فقدو هؤلاء مصداقيتهم. كذلك الأمر في يومنا هذا، سيشعر هؤلاء الذين يقعون تحت تأثير سحر مماثل لذلك فيصدقون الافتراءات والادعاءات السخيفة التي تتقنع بقناع العلم ويقضون حياتهم بالدفاع عنها بالخزي والذل عندما ينكشف السحر.
يعلن العالم الملحد مالكولم ماغيريدج والمؤيد لنظرية التطور عن قلقه من هذه النتيجة:
أنا نفسي مقتنع أن نظرية التطور ستكون نكتة كبيرة تتناقلها الكتب في المستقبل. ستتعجب الأجيال كيف تم قبول هذه النظرية الرديئة والمريبة بكل هذه السذاجة.21
هذا المستقبل ليس بعيداً: على العكس لن يلبث الناس أن يكتشفوا أن "المصادفة" ليست إلهاً وسينظرون إلى نظرية التطور كأسوء خدعة عرفها العالم في تاريخه. لقد بدأت شعوب العالم تنفض عن كاهلها غبار هذه الخدعة، بل إن الكثير منهم ممن عرفوا الحقيقة بوجهها المشرق أخذ يتساءل بدهشة كيف تمكنت هذه الخدعة منه ولو لبعض الوقت؟
"قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ماعلمتنا إنك أنت العليم الحكيم" (البقرة 32).
أعتذر عن الإطالة و لكنه كتاب رائع جدا و لفت انتباهي جدا فأحببت أن أنقله لكم بكل فصوله
تقبلوا جميعا فائق احترامي و تقديري